Monday, June 5, 2017

قولٌ في التوبة .... د. سُمية عيد الزعبوط

قولٌ في التوبة
د. سُمية عيد الزعبوط

جاءت التوبة صيانة لحركة الهداية في الأرض، ؛ لأنه لو لم تُشرع التوبة، لكان وقوع الإنسان في المعصية ذريعة له أن يعيث في الأرض فساداً، وحينئذ يفسد الكون بمجرد فساد إنسان واحد، إذ إنه لا أمل له في الرجوع عن المعصية، وكيف يرجع ما دامت المعصية الواحدة كافية لأن يُطرد من رحمة الله.
من هنا أمر الله عباده بالتوبة التي هي فرض عين على كل إنسان، وجعل لها شروطاً، حيث قال تعالى:  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الآية رقم 8 من سورة التحريم).
ومن شروط التوبة: الندم على ما وقع من ذنوب، والإقلاع عن فعل الذنب والعزم على عدم العودة إليه، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، أما التوبة النصوح فهي: التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع، وفي هذا قال الحسن: التوبة النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره، وقال القرطبي: إن التوبة النصوح تتضمن أربعة أمور هي: الاستغفار باللسان، الإقلاع بالأبدان، إضمار ترك العودة بالجنان، هجر سيء الخلان، وقال أبو بكر الدقاق المصري: تتمثل التوبة النصوح برد المظالم ، واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات.
أما الذنب الذي تكون منه التوبة فهو إما يكون حقاً لله سبحانه وتعالى، أو يكون حقاً للناس، فإن كان حقاً لله مثل ترك الصلاة ، فإن التوبة لا تصح حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها، وإن كان الذنب حقاً للناس، فلا تصح التوبة منه إلاّ برده إلى صاحبه والخروج عنه إذا كان قادراً ، فإن لم يكن قادراً فعليه أن يعزم على الأداء في أقرب وأسرع وقت.
وفي أحاديث رسول الله ما يُشير إلى ذلك، فعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"  (رواه مسلم والنسائي) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: " لو أخطأتم حتى تبلغ السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم " ( رواه ابن ماجة بإسناد جيد) وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم خطاء، وخير الخطّائين التوابون" ( رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم)، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاستغفار من الذنوب هو وسيلة من وسائل التوبة.
ويُمكن القول هنا بأن أكبر الكبائر المحرمة شرعاً هي ثلاث وهي:
v الشرك بالله: إن اتخاذ الوسطاء والأولياء والشفعاء والتقرب إليهم بالقرابين والنذور وضروب التقديس، كل ذلك يُعد من الشرك بالله.
v عقوق الوالديْن: إن إيذاء الوالديْن بالقول أو الفعل ، من سب وشتم والقول لهما أُف، والقطيعة، وعصيان أمرهما، والتلكؤ في قضاء شؤونهما، وإن دعوااك إلى الإشراك بالله أو عصيان الخالق فلا  تطعهما وإنْ وجب عليك البر بهما وحسن الصحبة.
v قول الزور والباطل: وهنا أكبر رسول الله صل الله عليه وسلم خطر قول الزور، إذ يتضمن قول الزور : ( شهادة الباطل، والحكم الجائر، ورمي الأبرياء بما هم منه براء، والقول على الله بغير علم ) فكل ذلك يدخل في قول الزور ، إذ إن الذي يقول الزور يُسيء إلى نفسه، ويبيعُ آخرته بدنيا غيره، ويُسيء إلى من شهد له بإعانته على الاستمرار في الظلم، وإلى من شهد عليه بإضاعة حقه، ويسيء إلى القاضي بإضلاله عن الحجة وإلى الأمة بإضاعة الحقوق فيها .
وإنه لمن الأسف أن هناك من يشهد زوراً لمجرد صداقة، أو رجاء، أو نظير مبلغ من المال، فهؤلاء فسدت ذممهم وخبثت نفوسهم وأصبحوا إخوان الشياطين، والعياذ بالله.



No comments:

Post a Comment