Sunday, June 18, 2017

كلمات في القمة حول أثر العبادة على الإنسان (16).... د. سُمية عيد الزعبوط

كلمات في القمة حول أثر العبادة على الإنسان (16)
د. سُمية عيد الزعبوط

يُمكن القول إن العبادة على اعتبار فائدتها نوعان
§        الأول : الفائدة الذاتية التي يحققها المرء في الصلاة ، وقيام الليل، والصيام، وتلاوة القرآن، وذكر الله والدعاء.
§        الثاني: الفائدة المتعدية التي يحققها المرء في الزكاة ، فالغني يُخرج جزءاً من ماله للفقير.
من هنا فإن الفائدة المتعدية تترك أثراً أفضل وأجراً أكثر من الفائدة الذاتية ، وهذا لا يُلغي فضل الصلاة والصيام وقيام الليل ، وغير ذلك، إلاً أن فضل الزكاة والصدقة أعظم ، ويتجلى ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله - أحسبه قال شك الراوي – كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر"  ( رواه مسلم)
وفي حديثٍ آخر عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال: " أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتيْن، وأشار بإصبعه : السبابة والوسطى" ( رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه).
 ويُمكن القول عن العبادة على اعتبار الخضوع الاختياري والاضطراري نوعان هما:
§ الأول: عبادة كونية: وتتمثل بالخضوع لأمر الله تعالى ، وهي عبادة شاملة، تشمل الخلق كافة، بحيث لا يستطيع أحد أن يخرج منها ، وهنا قال تعالى : { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } الآية رقم 93 من سورة مريم. وهذا ما يُشير إلى أن العبادة الكونية تشمل المؤمن والكافر.
§ الثاني: وتتمثل بالعبادة الشرعية، ويختص بهذه العبادة من أطاع الله تعالى واتبع ما جاءت به الرسل، وفي ذلك قال تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ... } الآية رقم 63 من سورة الفرقان،
ويُمكن القول هنا أن العبادة الكونية لا يُحمد عليها الإنسان لأنه فعل اضطراري، وإن حصل منه شكر عند الرخاء وصبر على البلاء، أما العبادة الشرعية فإنه يُحمد عليها الإنسان ، إذ أن حقيقة العبادة تتمثل في كمال الذل والخضوع مع كمال المحبة لله سبحانه وتعالى، كذلك إن حقيقة العبادة في انقياد النفس لأحكام الله وروح الإيمان ونور الإحسان (الألوسي الجزء الأول).
ومع طغيان الماديات في هذا الزمان اختلفت المفاهيم ، وشاع بين المسلمين أن العبادة هي القيام بالشعائر الدينية والفرائض الوقتية، والاقتصار على بعض الطاعات والفرائض، من هنا يُمكن الإشارة إلى أن العبادة تشمل أيضاً سلوكيات الإنسان في الحياة وتعامله مع غيره ، فالعبادة تتمثل في إحسان النية ، وإماطة الأذى عن الطريق ، وصلة الرحمن، وبر الوالديْن، وحسن العشرة، والأخوة في الله، والصدق في الحديث، والتسامح مع الآخرين والصفح عنهم، وحسن الخلق، وتجنب مواطن الشبهة والريبة، وما شابه ذلك من سلوكيات وأخلاقٍ حميدة، وفي ذلك قال تعالى :  { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }الآيتان (162، 163) من سورة الأنعام.
وفي ذلك قال رسول الله صل الله عليه وسلم " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " (صحيح الجامع).
بناءً على ذلك ، فإن العبادة ما تكاد تستقر حقيقتها في قلب المرء، حتى تُعلن عن نفسها في صورة عمل وفعل ونشاط وسلوك حسن وخلق حميد، وبهذا الاستقرار وبهذا الشمول يتحقق مفهوم الخلافة في الأرض ، وهنا يقول تعالى :  {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... }الآية رقم  30 من سورة البقرة.
 سبحانك اللهم تفضلت بالتكليف، وتفضلت بالمعونة، فأنت المتفضل أولاً وأنت المتفضل آخراً، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

No comments:

Post a Comment