Monday, November 19, 2018

القناعة كنز في الدنيا ونجاة في الآخرة ..... د. سُمية عيد الزعبوط


القَنَاعَة

القناعة هي الرضا بما قسم الله تعالى ولو كان قليلًا ، وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين ، وهي علامة على صدق الإيمان . يقول رسول الله r : " قد أفلح من أسلم ، ورُزِق كفافًا ، وقَـــنَّـعَهُ الله بما آتاه " رواه مسلم.
ومن الأمثلة على القناعة ما يلي :
1) كان رسول الله صل الله عليه وسلم يرضى بما عنده ، ولا يسأل أحدا شيئًا ، ولا يتطلع إلى ما عند غيره ، فكان صل الله عليه وسلم يعمل بالتجارة في مال السيدة خديجة – رضي الله عنها – فيربح كثيرًا من غير أن يطمع في هذا المال . وكانت تُعرض عليه الأموال التي يغنمها المسلمون في الغزوات فلا يأخذ منها شيئًا  بل كان يوزعها على الصحابة . وكان r ينام على الحصير ، فرآه الصحابة , وقد أثر الحصير في جنبه , فأرادوا أن يعدوا له فراشًا لينًا يجلس عليه ؛ فقال لهم : " ما لي وما للدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة , ثم راح وتركها " رواه ابن ماجة والترمذي
2) ذهب الصحابي الجليل حكيم بن حزام إلى النبي صل الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه من الأموال فأعطاه ، ثم سأله مرة ثانية فأعطاه ، ثم سأله مرة ثالثة فأعطاه النبي  ثم قال له معلماً : " يا حكيم إن هذا المال خَضرٌ حلو ( أي أن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة الحلوة اللذيذة )، فمن أخذه بسخاوة نفس ( بغير سؤال ولا طمع ) بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارَكْ له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى " متفق عليه
فعاهد حكيم النبي r ألا يأخذ شيئًا من أحد أبداً حتى يفارق الدنيا ، فكان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يطلبه ليعطيه نصيبه من المال  فيرفض أن يقبل منه شيئًا ، وعندما تولى عمر – رضي الله عنه – الخلافة دعاه ليعطيه فرفض حكيم ، فقال عمر : يا معشر المسلمين  أشهدكم على حكيم أني  أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء ( الغنيمة ) فيأبى أن يقبله .
وهكذا ظل حكيم قانعًا، لا ينظر إلى المال بعد نصيحة رسول الله r، التي تعلم منها ألا يسأل أحدًا شيئاً ، حتى أنه كان يتنازل عن حقه، ويعيش من عمله وجهده.
3) كان سلمان الفارسي – رضي الله عنه – واليًا على إحدى المدن ، وكان راتبه خمسة آلاف درهم يتصدق بها جميعاً ، وكان يشتري خوصًا بدرهم فيصنع بها آنية فيبيعها بثلاثة دراهم ؛ فيتصدق بدرهم ، ويشتري طعامًا لأهله بدرهم ، ودرهم يبقيه ليشتري به خوصًا جديدًا .
4) أُهديت السيدة عائشة – رضي الله عنها – سلال من عنب،  فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين ، وكانت جاريتها قد أحذت سلة من هذه السلال وأخفتها عنها ، وفي المساء أحضرتها، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما هذا؟ أجابت الجارية: ادخرته لنأكله، فقالت عائشة : أما يكفي عنقودٌ أو عنقودان؟
5) يُحكى أن ثلاثة رجال ساروا في طريق  فعثروا على كنز واتفقوا على تقسيمه بينهم بالتساوي ، وقبل أن يقوموا بذلك، أحسوا بالجوع الشديد  فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعامًا , وتواصوا بالكتمان كي لا يطمع فيه غيرهم ، وفي أثناء ذهاب الرجل لإحضار الطعام حدثته نفسه بالتخلص من صاحبيه ،وينفرد هو بالكنز وحده ، فاشترى سمًا ووضعه في الطعام ، وفي الوقت نفسه  اتفق صاحباه على قتله عند عودته ؛ ليقتسما الكنز فيما بينهما فقط ،ولما عاد الرجل قتله صاحباه، وجلسا يأكلان الطعام ، فماتا تأثراً بالطعام المسموم ، وهكذا تكون نهاية الطامعين وعاقبة الطمع.
من هنا تحقق القناعة خيرًا كثيرًا للإنسان في الدنيا والآخرة ومن فضائلها ما يلي:
القناعة سبب البركة : فهي كنز لا ينفد ، وقد أخبرنا سيدنا محمد صل الله عليه وسلم  أنها افضل الغنى فقال : " ليس الغنى عن كثرة العَرَض ، ولكن الغنى غنى النفس " متفق عليه
وقال صل الله عليه وسلم: " من أصبح منكم آمنا في سربه ، مُعافىً في جسده ،عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" رواه الترمذي وابن ماجه، فالمسلم عندما يشعر بالقناعة والرضا بما قسمه الله تعالى له يكون غنيًا عن الناس ، عزيزًا بينهم ،لا يذل لأحد منهم .
أما طمع المرء  ورغبته في الزيادة يجعله ذليلاً إلى الناس ،فاقدًا لعزته  قال صل الله عليه وسلم: "وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس " رواه الترمذي وأحمد.
القناعة طريق إلى الجنة : بين الرسول صل الله عليه وسلم أن المسلم القانع الذي لا يسأل الناس ثوابه الجنة فقال صل الله عليه وسلم: "من يكفل لي ألا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة ؟ " فقال ثوبان : أنا،  فكان لا يسأل أحدًا شيئًا . رواه  أبو داوود والترمذي وأحمد.
القناعة عزة النفس : القناعة تجعل صاحبها حُرًّا ؛ فلا يتسلط عليه الآخرون ،أما الطمع فيجعل صاحبه عبدًا للآخرين ،وقد قال الإمام علي  كرم الله وجهه: الطع رِق مؤبد ( عبودية دائمة ) .
وقد قال أحد الحكماء : من أراد أن يعيش حُرًا  في أيام حياته ؛ فلا يسكن قلبه الطمع  وقيل : عز من قنع , وذل من طمع . وقيل : العبيد ثلاثة : عبد رِق،  وعبد شهوة ،    وعبد طمع .
القناعة سبيل لراحة النفس : المسلم القانع يعيش في راحة وأمن واطمئنان دائم ، أما الطماع فإنه يعيش مهمومًا ، ولا يستقر على حال ، وفي الحديث القدسي : " يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً , وأسُد فقرك ، وإن لم تفعل ، ملأتُ صدرك شُغْلا ولم أسُدَّ فقرك " رواه ابن ماجة.
وقال أحد الحكماء : سرور الدنيا أن تقنع بما رُزِقْتَ ، وغمها أن تغتم لما لم تُرزق .
وصدق القائل :
هي القناعة لا ترضى بها بدلًا                   فيها النعيم وفيها راحـــة البـــــدنِ
أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها                  هل راح منها بغير القطن والكفنِ

تم استرجاع المعلومات عن موسوعة الأسرة المسلمة : الأخلاق،  ص ص 51 - 56