Tuesday, December 11, 2018

دورة الثقافة الأخلاقية في خلق الصبر.... للدكتورة سُميّة عيد الزعبوط


دورة الثقافة الأخلاقية في خلق الصبر
للدكتورة سُمية عيد الزعبوط


الصبر هو أن يلتزم الإنسان بأمر الله فيؤديه كاملاً، وأن يجتنب ما ينهاه عنه الله ، وأن يتقبل بنفسٍ راضيةٍ ما يُصيبه من مصائب وشدائد.
أنواع الصَّبْر:
الصَّبْر على (الأوامر) فعل الطّاعات وأداء الواجبات:
إنّ النفس بطبعها تميل إلى الشّهوات، وهذا مانع لكثير من الناس من الانقياد السريع لفعل الطّاعة، من هنا لينبغي على الإنسان  أنْ يعوّد نفسه على خُلُق الصَّبر في ثلاثة مواضع؛
 الأوّل: قبل البدء بالطّاعة يَحْسُن بالمسّلم أنْ يتفقّد نيّته ويطهّرها من كل شائبة رياء، ويستحضر الإخلاص لله -تعالى- وحده،
والثّاني: الصَّبْر أثناء قيامه بالطّاعة، فيحرص المسّلم على أدائها على الوجه المشّروع وفق ما جاء به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم،
والثّالث: الصَّبْر بعد أداء الطّاعة، فيحرص أنْ لا يُدخل لنفسه العَجب أو محبّة ثناء الخَلْق؛ فيُفسِد على نفسه عمله.
إن المسلم يصبر على الطاعات ؛ لأنها تحتاج إلى جهد وعزيمة لتأديتها في أوقاتها على خير وجه، والمحافظة عليها، وفي ذلك يقول الله تعالى لنبيه محمد صل الله عليه وسلم{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ... }  الآية 28 سورة الكهف
ويقول تعالى:  { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ...}   الآية رقم 132 سورة طه
الصَّبْر على (المحظورات) فعل المعاصي وارتكاب المحرّمات:
إنّ الدنيا بملذّاتها وشهواتها تُشكّل ابتلاء من نوع آخر في مسيرة حياة المسلم، لذا فإنّ العبد محتاج لسلاح الصَّبْر لمواجهة هذه المُغريات الكثيرة والمتنوعة التي تعرضُ له في حياته، ومن شهوات الدنيا التي يدفعها المسّلم عن نفسه بالصَّبْر كي لا تُعْسِر عليه سلامة المسير وفق مراد الله -تعالى- شهوة النّساء والمال والمتاع وغيرها.
إن مقاومة المغريات التي تزين المعاصي تحناج إلى صبر عظيم وإرادة قوية ، وفي ذلك يقول رسول الله صل الله عليه وسلم: " أفضل المهاجرين من هجر ما نهي عنه وأفضل الجهاد الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله – عز زجل-
الصَّبْر على (الأقدار ) أفعال الله والابتلاءات والنّوازل العصيبة:
إنّ من طبيعة الحياة الدنيا أنّها لا تصفو لأحد، ولا يسلم من آلامها وبلائها بَرّ ولا فاجر، ولكنّ المؤمن بدافع الرّضا عن أفعال الله -سبحانه- وأقداره يواجه كلّ الابتلاءات بثبات وجَلَد، وهو بذلك هادىء النّفس مطمئن البال؛ لأنّه على يقين أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويرى المؤمن أنّ أنبياء الله -تعالى-وهم صفوة خَلْقه، وأفضل إنسه قد ابتلاهم المولى -سبحانه- بأنواع كثيرة من الابتلاءات، لكنّهم واجهوها بالرّضا والتّسليم والصَّبْر الجميل، ولقد صبر أيوب -عليه السّلام- على المرض وفقدان الأهل والولد، وصبر يوسف -عليه السّلام- على ما حلّ به من بلاء السّجن والافتراء إلى أن حصحص الله -تعالى- الحقّ وأظهره، أمّا النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- فقد صبر في مواقف كثيرة منذ بعثته إلى وفاته.
ومن ذلك الصبر على المرض، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " من أصيب بمصيبة في ماله أو جسده، وكتمها ولم يشكِها إلى الناس، كان حقًا على الله أن يغفر له، وفي ذلك أيضاً أن السيدة أم زفر كانت مريضة بالصرع، فطلبت من النبي صل الله عليه وسلم أن يدعو لها بالشفاء، فقال لها: " إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيكِ" فاختارت أن تصبر على مرضها ولها الجنة في الآخرة (متفق عليه)، ويقول تعالى في الحديث القدسي: إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيْه (عينيْه) فصبر، عوضته منهما الجنة (البخاري).
ومن ذلك أيضاً  الصبر على ضيق الحياة، فالمسلم يصبر على عسر الحياة وضيقها، ولا يشكو حاله إلاّ لربه، إذ قالت عائشة رضي الله عنها : كان يمر الشهران الكاملان دون أن يوقد في بيت رسول الله صل الله عليه وسلم نار، وكانوا يعيشون على التمر والماء (متفق عليه). ومن ذلك أيضاً الصبر على أذى الناس، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " المسلم إذا كان مخالطاً للناس ويصبر على أذاهم ، خير من المسلم الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"  ( رواه الترمذي).
أهميّة الصَّبْر :
تتمثل أهميته في أنه  ذُكر في القرآن الكريم في ما يزيد على تسعين موضعاً، ثمّ إنّ شعائر الدّين وشعائر الإسلام ترتبط به ارتباطاً وثيقاً، فلا غنى للمسّلم عن الصَّبْر في عباداته بكلّ مجالاتها، أمّا فضائله فهي أكثر من أنْ تُحصى، وفي ثمرات تحصيله عون للمرء على اكتسابه، وتعويد النّفس عليه، ومن فضائل الصَّبْر ما يأتي:
§  الصَّبْر يعمل على تمكين الإيمان بالله -تعالى- في قلب العبد: وقد عدّه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من مراتب الإيمان.
§ الصَّبْر سبب لتحصيل الإخبات والخضوع إلى الله تعالى؛ حيث قال: { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }  الآية رم 35من سورة الحج
§ إنّ الصَّبْر سبيل لتمكين المؤمن من مهمّة الاستخلاف في الأرض؛ فقد قال الله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ } الآية رقم 24 من سورة السجدة .
§ إنّ الصَّبْر سبب نزول رحمة الله تعالى، قال الله سبحانه وتعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } الآيات رقم 155، 156، 157 من سورة البقرة.
§ إنّ الصَّبْر سبب في محو الخطايا؛ ففي الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذىً، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ).
§ إنّ الصّابر موعود من الله -تعالى- بالأجر العظيم، فقد قال: {... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } الآية رقم 10 من سورة الزمر.
§ إنّ الصّابر يحظى برعاية الله -تعالى- ومعيّته ومحبّته، قال الله سبحانه وتعالى: {... وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }الآية رقم 249 من سورة البقرة. وقال أيضاً: {... وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } الآية رقم 146 من سورة آل عمران
الفرق بين الصبر والتصبر
إن حبس الإنسان  نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن؛ إن كان خلقًا له وملكة سمي صبرًا، وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرًا، كما يدل عليه هذا البناء لغةً، فإنه موضوع للتكلف كالتحلم والتشجع والتكرم والتحمل ونحوها. فالمرء حين يصبر ويتألم لمرارة الصبر  يُصبح ذلك تصبراً ، وإذا تكرر هذا التصبر في مواقف عديدة يُسمى ذلك اصطباراً الذي هو أبلغ من التصبر وهو تكرار للتصبر .
من هنا فإن الصبر والتصبر والاصطبابر  تُشير إلى حالة الإنسان مع نفسه، في حين تتمثل المصابرة في حالة الإنسان مع خصمه في ميدان الصبر، وهنا قال تعالى في ذلك{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الآية رقم (200) من سورة آل عمران.
في هذه الآية دعا الله عز وجل إلى الصبر وهي حالىة الإنسان مع نفسة ، ودعا إلى المصابرة بقوله وصابروا والمرابطة، وهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة، فقد يصبر الإنسان ولا يُصابر وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى، وأخبر الله أن مرد ذلك كله للتقوى ، وأن الفلاح موقوف عليها فقال {... وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الآية رقم 189 من سورة البقرة.      
درجات الصبر:
الصبر الاختياري: إن الصبر الاختياري هو الصبر الأفضل والأكمل مقارنة بالصبر الاضطراري، إذ إن هذه الدرجة من الصبر لا يشترك فيها الناس كافة، وذلك مثل: ومن الأمثلة على ذلك: صبر يوسف عليه السلام عن مطاوعة امرأة العزيز وصبره على ما ناله في ذلك من الحبس والمكروه، إذ كان ذلك أعظم من صبره على على ما ناله من اخوته لما ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه، وكذلك صبر إبراهيم عليه السلام وموسى عليه السلام  وصبر نوح عليه السلام  وصبر عيسى عليه السلام وصبر خاتم الأنبياء سيدنا محمد عليه السلام ؛ إذ كان صبرهم على الدعوة إلى الله ومجاهدة أعداء الله ولهذا سماهم الله أولى العزم وأمر رسوله أن يصبر صبرهم فقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ... }الآية 35 من سورة الأحقاف.
وأولو العزم هم المذكورون في قوله تعالى{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ... }الآية رقم 13 من سورة الشورى.
وفي قوله { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ... } الآية رقم 7 من سورة الأحزاب
كذلك قال ابن عباس وغيره من السلف ونهاه سبحانه أن يتشبه بصاحب الحوت حيث لم يصبر صبر أولى العزم فقال { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } الآية رقم 48 من سورة القلم
الصبر الاضطراري: قد يشترك في الناس في الصبر الاضطراري، ومن الأمثلة على ذلك الصبر على ما ينال المرء من إخوته، ومن ذويه وعلى ما يناله من أبنائه ، وما شابه ذلك،   
ويُلاحظ أن الله عز وجل قد نهى رسول الله صل الله عليه وسلم  أن يتشبه بصاحب الحوت حيث لم يصبر صبر أولى العزم فقال:{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ }
وفي الترمذي أن النبي  صل الله عليه وسلم قال:  "دعوة أخى ذى النون اذ دعا بها في بطن الحوت ما دعا بها مكروب الا فرج الله عنه لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين" من هنا  لايمكن أن ينهى عن التشبه به في هذه الدعوة وهى النداء الذى نادى به ربه وانما نهى عن التشبه به في هذه الدعوة وهى النداء الذى نادى به ربه وانما ينهى عن التشبه به في السبب الذى أفضى به إلى هذه المناداة وهى مغاضبته التى أفضت به إلى حبسه في بطن الحوت وشدة ذلك عليه حتى نادى ربه وهو مكظوم والكظيم والكاظم الذى قد امتلأ غيظاً وغضباً وهماً وحزناً وكظم عليه فلم يخرجه.
بمعنى أن الله نهى عن التشبه في الحال التى أفضت به إلى صحبته الحوت والنداء وهى ضعف العزيمة والصبر لحكمه تعالى ،ويدل عليه قوله تعالى: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } ثم قال: { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ }أى في ضعف صبره لحكم ربه فان الحالة التى نهى عنها هى ضد الحالة التى أمر بها.
من هنا فإن الله سبحانه أثنى على يونس وغيره من أنبيائه بسؤالهم إياه كشف ما بهم من الضر وقد أثنى عليه سبحانه بذلك في قوله وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين فاستجبنا له فنجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين فكيف ينهى عن التشبه به فيما يثنى عليه ويمدحه به وكذلك أثنى على أيوب بقوله { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } الآية رقم 83 من سورة الأنبياء.  وعلى يعقوب بقوله{...  إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ... } الآية رقم 86 من سورة يوسف. وعلى موسى بقوله {... رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } الآية رقم 24 من سورة القصص. وقد شكا إليه خاتم أنبيائه ورسله بقوله: "اللهم أشكو اليك ضعف قوتى وقلة حيلتى" الحديث فالشكوى إليه سبحانه لا تنافي الصبر الجزيل .
بل إعراض عبده عن الشكوى إلى غيره جملة وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر والله تعالى يبتلى عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه وقد ذم سبحانه من لم يتضرع اليه ولم يستكن له وقت البلاء كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُون } الآية رقم 76 من سورة المؤمنون .
والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه، والله تعالى لم يرد من عبده أن يتجلد عليه بل أراد منه أن يستكين له ويتضرع اليه وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به اليه وقيل لبعضهم كيف تشتكى اليه ما ليس يخفي عليه فقال ربى يرضى ذل العبد اليه.
والمقصود أنه سبحانه أمر رسوله أن يصبر صبر أولى العزم الذين صبروا لحكمه اختياراً وهذا أكمل الصبر ولهذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة على هؤلاء حتى ردوها إلى أفضلهم وخيرهم وأصبرهم لحكم الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
الآلية التي تعين الإنسان على الصبر:
§    التفهم بأن الدنيا زائلة لا دوام فيها
§  التفهم بأن الإنسان ملك لله تعالى وأن مصيره إلى الله
§  التيقن  بحسن الجزاء
§    اليقين بأن فرج الله قريب
§  الاستعانة بالله والشكوى إليه وحده لا شريك له
§    الاقتداء بأهل الصبر والعزائم
§  الإيمان بقدر الله، وأن قضاءه نافذ لا محالة.
§    الابتعاد عن التسرع والغضب والحزن واليأس والضيق

دورة الثقافة الأخلاقية في خلق الأمانة ...... للدكتورة سُمية عيد الزعبوط


دورة الثقافة الأخلاقية في خلق الأمانة
للدكتورة سُمية عيد الزعبوط
بعد فتح مكة ، جلس النبي صل الله عليه وسلم في المسجد ، فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله اجعل لنا الحجابة مع السقاية، فقال النبي صل الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فجاءوا به، فقال النبي صل الله عليه وسلم: " هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء" ونزل في ذلك قول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ... } الآية رقم 58 من سورة النساء، وقد أعطى رسول الله صل الله عليه وسلم مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة ولم يعطه لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، امتثالاً لأمر الله برد الأمانات إلى أهلها.
الأمانة هي: أداء الحقوق والمحافظة عليها، فعلى المسلم أن يُعطي كل ذي حقٍ حقه، وهي خلق عظيم من أخلاق الإسلام وهي فريضة عظيمة حملها الإنسان ، ورفضت حملها السموات والأرض والجبال قال تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ... }  الآية رقم 72 من سورة الأحزاب.
أشكال الأمانة
 الأمانة في العبادة: وتعني الالتزام بتكاليف الله وفروضه ، والمحافظة على الصلاة والصيام وبر الوالديْن بأمانة لله رب العالمين.
الأمانة في حفظ الجوارح: وتعني أن يستخدم الإنسان جوارحه بأمانة ، بحيث يحافظ عليها بما يُرضي الله عز وجل ، فالعين أمانة فعليه أن يغض البصر عن الحرام، والأذن أمانه فعليه أن يتجنب سماع ما يُغضب الله، واليد أمانة فعليه أن لا يمد يده للحرام ، والرجل أمانه فعليه أن لا يمشي إلى ما هو حرام.
الأمانة في الودائع: وتعني أداء الودائع إلى أهلها، فقد كان المشركون يضعون ودائعهم عند رسول الله صل الله عليه وسلم ليحفظها لهم ، إذ كانوا يلقبونه قبل البعثة بالصادق الأمين.
الأمانة في العمل: وتعني أن يؤدي المسلم عمله على أكمل وجه بحيث يتقنه ، فالموظف يتقن عمله، والزوجة تتقن عملها في تربية أولادها ورعاية أسرتها وزوجها ، والطالب يجتهد في تحصيل علومه  وهكذا....
الأمانة في الكلام: وتعني الالتزام بالكلمة الجادة غير المؤذية ، فالكلام قد يدخل صاحبه الجنة  قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }الآية رقم  24 من سورة إبراهيم.  وقال النبي صل الله عليه وسلم " والكلمة الطيبة صدقة"
الأمانة في حفظ الأسرار: وتعني أن يحفظ الإنسان سر أخيه الإنسان، ولا يخونه بإفشاء أسراره.
الأمانة في البيع: وتعني الالتزام  بعدم الغش، وفي هذا مر رسول الله صل الله عليه وسلم على رجل يبيع طعاماً فأدخل يده في كومة الطعام، فوجده مبلولاً، فقال له: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال البائع  أصابته السماء ( المطر)  يا رسول الله، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غشّ فليس مني" رواه مسلم.
 إن الأمانة علامة من علامات الإيمان ، والخيانة علامة من علامات النفاق قال رسول الله صل الله عليه وسلم" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" متفق عليه.



                                                       
تم استرجاع المعلومات عن موسوعة الأسرة المسلمة : الأخلاق

Monday, November 19, 2018

القناعة كنز في الدنيا ونجاة في الآخرة ..... د. سُمية عيد الزعبوط


القَنَاعَة

القناعة هي الرضا بما قسم الله تعالى ولو كان قليلًا ، وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين ، وهي علامة على صدق الإيمان . يقول رسول الله r : " قد أفلح من أسلم ، ورُزِق كفافًا ، وقَـــنَّـعَهُ الله بما آتاه " رواه مسلم.
ومن الأمثلة على القناعة ما يلي :
1) كان رسول الله صل الله عليه وسلم يرضى بما عنده ، ولا يسأل أحدا شيئًا ، ولا يتطلع إلى ما عند غيره ، فكان صل الله عليه وسلم يعمل بالتجارة في مال السيدة خديجة – رضي الله عنها – فيربح كثيرًا من غير أن يطمع في هذا المال . وكانت تُعرض عليه الأموال التي يغنمها المسلمون في الغزوات فلا يأخذ منها شيئًا  بل كان يوزعها على الصحابة . وكان r ينام على الحصير ، فرآه الصحابة , وقد أثر الحصير في جنبه , فأرادوا أن يعدوا له فراشًا لينًا يجلس عليه ؛ فقال لهم : " ما لي وما للدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة , ثم راح وتركها " رواه ابن ماجة والترمذي
2) ذهب الصحابي الجليل حكيم بن حزام إلى النبي صل الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه من الأموال فأعطاه ، ثم سأله مرة ثانية فأعطاه ، ثم سأله مرة ثالثة فأعطاه النبي  ثم قال له معلماً : " يا حكيم إن هذا المال خَضرٌ حلو ( أي أن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة الحلوة اللذيذة )، فمن أخذه بسخاوة نفس ( بغير سؤال ولا طمع ) بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارَكْ له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى " متفق عليه
فعاهد حكيم النبي r ألا يأخذ شيئًا من أحد أبداً حتى يفارق الدنيا ، فكان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يطلبه ليعطيه نصيبه من المال  فيرفض أن يقبل منه شيئًا ، وعندما تولى عمر – رضي الله عنه – الخلافة دعاه ليعطيه فرفض حكيم ، فقال عمر : يا معشر المسلمين  أشهدكم على حكيم أني  أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء ( الغنيمة ) فيأبى أن يقبله .
وهكذا ظل حكيم قانعًا، لا ينظر إلى المال بعد نصيحة رسول الله r، التي تعلم منها ألا يسأل أحدًا شيئاً ، حتى أنه كان يتنازل عن حقه، ويعيش من عمله وجهده.
3) كان سلمان الفارسي – رضي الله عنه – واليًا على إحدى المدن ، وكان راتبه خمسة آلاف درهم يتصدق بها جميعاً ، وكان يشتري خوصًا بدرهم فيصنع بها آنية فيبيعها بثلاثة دراهم ؛ فيتصدق بدرهم ، ويشتري طعامًا لأهله بدرهم ، ودرهم يبقيه ليشتري به خوصًا جديدًا .
4) أُهديت السيدة عائشة – رضي الله عنها – سلال من عنب،  فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين ، وكانت جاريتها قد أحذت سلة من هذه السلال وأخفتها عنها ، وفي المساء أحضرتها، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما هذا؟ أجابت الجارية: ادخرته لنأكله، فقالت عائشة : أما يكفي عنقودٌ أو عنقودان؟
5) يُحكى أن ثلاثة رجال ساروا في طريق  فعثروا على كنز واتفقوا على تقسيمه بينهم بالتساوي ، وقبل أن يقوموا بذلك، أحسوا بالجوع الشديد  فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعامًا , وتواصوا بالكتمان كي لا يطمع فيه غيرهم ، وفي أثناء ذهاب الرجل لإحضار الطعام حدثته نفسه بالتخلص من صاحبيه ،وينفرد هو بالكنز وحده ، فاشترى سمًا ووضعه في الطعام ، وفي الوقت نفسه  اتفق صاحباه على قتله عند عودته ؛ ليقتسما الكنز فيما بينهما فقط ،ولما عاد الرجل قتله صاحباه، وجلسا يأكلان الطعام ، فماتا تأثراً بالطعام المسموم ، وهكذا تكون نهاية الطامعين وعاقبة الطمع.
من هنا تحقق القناعة خيرًا كثيرًا للإنسان في الدنيا والآخرة ومن فضائلها ما يلي:
القناعة سبب البركة : فهي كنز لا ينفد ، وقد أخبرنا سيدنا محمد صل الله عليه وسلم  أنها افضل الغنى فقال : " ليس الغنى عن كثرة العَرَض ، ولكن الغنى غنى النفس " متفق عليه
وقال صل الله عليه وسلم: " من أصبح منكم آمنا في سربه ، مُعافىً في جسده ،عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" رواه الترمذي وابن ماجه، فالمسلم عندما يشعر بالقناعة والرضا بما قسمه الله تعالى له يكون غنيًا عن الناس ، عزيزًا بينهم ،لا يذل لأحد منهم .
أما طمع المرء  ورغبته في الزيادة يجعله ذليلاً إلى الناس ،فاقدًا لعزته  قال صل الله عليه وسلم: "وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس " رواه الترمذي وأحمد.
القناعة طريق إلى الجنة : بين الرسول صل الله عليه وسلم أن المسلم القانع الذي لا يسأل الناس ثوابه الجنة فقال صل الله عليه وسلم: "من يكفل لي ألا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة ؟ " فقال ثوبان : أنا،  فكان لا يسأل أحدًا شيئًا . رواه  أبو داوود والترمذي وأحمد.
القناعة عزة النفس : القناعة تجعل صاحبها حُرًّا ؛ فلا يتسلط عليه الآخرون ،أما الطمع فيجعل صاحبه عبدًا للآخرين ،وقد قال الإمام علي  كرم الله وجهه: الطع رِق مؤبد ( عبودية دائمة ) .
وقد قال أحد الحكماء : من أراد أن يعيش حُرًا  في أيام حياته ؛ فلا يسكن قلبه الطمع  وقيل : عز من قنع , وذل من طمع . وقيل : العبيد ثلاثة : عبد رِق،  وعبد شهوة ،    وعبد طمع .
القناعة سبيل لراحة النفس : المسلم القانع يعيش في راحة وأمن واطمئنان دائم ، أما الطماع فإنه يعيش مهمومًا ، ولا يستقر على حال ، وفي الحديث القدسي : " يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً , وأسُد فقرك ، وإن لم تفعل ، ملأتُ صدرك شُغْلا ولم أسُدَّ فقرك " رواه ابن ماجة.
وقال أحد الحكماء : سرور الدنيا أن تقنع بما رُزِقْتَ ، وغمها أن تغتم لما لم تُرزق .
وصدق القائل :
هي القناعة لا ترضى بها بدلًا                   فيها النعيم وفيها راحـــة البـــــدنِ
أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها                  هل راح منها بغير القطن والكفنِ

تم استرجاع المعلومات عن موسوعة الأسرة المسلمة : الأخلاق،  ص ص 51 - 56

Friday, October 19, 2018

" برُّ الوالديْن" ....... د. سُمية الزعبوط



يُشير برّ الوالديْن إلى الإحسان إليهما وفعل الخيرات لهما، فمنزلة الوالديْن منزلة عظيمة ، إذ ربط الله الإحسان إليهما بعبادته عز وجل ، قال تعالى { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ...}   الآية رقم 23 من سورة الإسراء. وقال تعالى{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }  الآية رقم 14 من سورة لقمان

ينقسم بر الوالدين إلى قسميْن :
أولاً: برهما في حياتهما: وتتمثل بطاعتهما في غير معصية الله، العمل على خدمتهما، الرحمة بهما، السؤال عنهما، زيارتهما.
ثانياً :برهما بعد موتهما: وتتمثل بالدعاء لهما وطلب المغفرة والرحمة بهما وإكرام أصدقائهما، ومن الأمثلة على ذلك: جاء رجل من بني سلمة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ، هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال : " نعم . الصلاة عليهما – بمعنى الدعاء لهما -  ، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلاّ بهما" رواه ابن ماجه.
قال تعالى { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ... }   الآية رقم 41 من سورة إبراهيم ، وقال تعالى: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ... }   الآية رقم 28 من سورة نوح.
وقد جعل الله بر الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إليه، وفي ذلك سُئل رسول الله صل الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال:  " الصلاة على وقتها" . قيل: ثم أيّ؟ قال: " ثم بر الوالديْن ، قيل ثم أيّ؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " متفق عليه.
كذلك ربط الله عز وجل ، رضاه برضا الوالديْن: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد" رواه الترمذي. وقال: " من أرضى والديْه ، فقد أرضى الله ، ومن أسخط والديْه ، فقد أسخط الله" رواه البخاري.
وقد جُعلت الجنة لمن يلزم بر الوالديْن: إذ جاء رجل إلى النبي صل الله عليه وسلم يريد الجهاد، فأمره النبي صل الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد ، فأمره النبي صل الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، وحين عاد الرجل للمرة الثالثة ، قال له رسول الله صل الله عليه وسلم: " ويحك ! إلزم رجلَها فثمّ الجنّة" رواه ابن ماجه.
و جُعلت منزلة بر الموالديْن بمنزلة المجاهد في سبيل الله: وفي ذلك جاء رجل إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " هل بقي من والديْك أحد؟ " قال الرجل: أمي، قال رسول الله: " فاسأل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمرٌ ومجاهدٌ " رواه الطبراني.
وجاء رجل إلى النبي صل الله عليه وسلم ليستأذنه في الجهاد؟ ، فقال النبي صل الله عليه وسلم: " أحيٌّ والداك؟" قال الرجل : نعم، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " ففيهما جاهد؟" رواه مسلم.
وأقبل رجل على رسول الله صل الله عليه وسلم فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد، فإني أبتغي الأجر من الله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " فهل من والديْك أحد حيّ؟ " قال كلاهما، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " فتبتغي الأجر من الله؟"  فقال : نعم، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " فارجع إلى  والديْك ، فأحسن صحبتهما" رواه مسلم.
وتكون معصية الوالديْن في حالة دعوتهما لمعصية الله عز وجل: وفي ذلك كان يُعدّ سعد بن أبي وقاص باراً بأمه، ولما أسلم قالت له أمه: يا سعد ، ما الذي أراك عليه؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتُعيّرُ بي، فيقال : قاتل أمه، قال سعد: يا أمي لا تفعلي ذلك ، لأني لن أدع ديني لأي شيء.
ومكثت أم سعد يوماً وليلة لا تأكل ولا تشرب حتى اشتد بها الجوع، فقال سعدٌ لها: أتعلمين،  والله لو كان لك مئة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت إصراره على التمسك بالإسلام ... أكلت، وقال تعالى في ذلك  { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } الآية رقم 15 من سورة لقمان، وفي ذلك قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: جاءت إليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله وقلت: إن أمي قدمت إليّ وهي راغبة ، بمعنى طامعة فيما عندي من بر، أفصلُ أمي؟ قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " نعم صلي أمك" متفق عليه.
وقد حذر الله تعالى من عقوق الوالديْن ، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما، وفعل ما لا يرضيهما أو إيذائهما ولو بكلمة " أف" أو بنظرة، وفي ذلك قال تعالى  { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }  الآية رقم 23 من سورة الإسراء، كذلك حذر من إدخال الحزن عليهما لأيّ سبب، لأن إدخال الحزن على الوالديْن هو عقوق لهما ، وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه في ذلك: من أحزن والديْه فقد عقهما.
بناءً على ذلك فقد عدَّ النبي صل الله عليه وسلم عقوق الوالديْن من كبائر الذنوب ، بل من أكبر الكبائر، وجمع بينه وبين الشرك بالله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله، وعقوق الوالديْن... " متفق عليه.
وقال صل الله عليه وسلم : " كل الذنوب يُؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلاّ عقوق الوالديْن، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة الدنيا قبل الممات" رواه البخاري

والله أعلم بمراده