Friday, October 19, 2018

" برُّ الوالديْن" ....... د. سُمية الزعبوط



يُشير برّ الوالديْن إلى الإحسان إليهما وفعل الخيرات لهما، فمنزلة الوالديْن منزلة عظيمة ، إذ ربط الله الإحسان إليهما بعبادته عز وجل ، قال تعالى { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ...}   الآية رقم 23 من سورة الإسراء. وقال تعالى{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }  الآية رقم 14 من سورة لقمان

ينقسم بر الوالدين إلى قسميْن :
أولاً: برهما في حياتهما: وتتمثل بطاعتهما في غير معصية الله، العمل على خدمتهما، الرحمة بهما، السؤال عنهما، زيارتهما.
ثانياً :برهما بعد موتهما: وتتمثل بالدعاء لهما وطلب المغفرة والرحمة بهما وإكرام أصدقائهما، ومن الأمثلة على ذلك: جاء رجل من بني سلمة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ، هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال : " نعم . الصلاة عليهما – بمعنى الدعاء لهما -  ، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلاّ بهما" رواه ابن ماجه.
قال تعالى { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ... }   الآية رقم 41 من سورة إبراهيم ، وقال تعالى: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ... }   الآية رقم 28 من سورة نوح.
وقد جعل الله بر الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إليه، وفي ذلك سُئل رسول الله صل الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال:  " الصلاة على وقتها" . قيل: ثم أيّ؟ قال: " ثم بر الوالديْن ، قيل ثم أيّ؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " متفق عليه.
كذلك ربط الله عز وجل ، رضاه برضا الوالديْن: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد" رواه الترمذي. وقال: " من أرضى والديْه ، فقد أرضى الله ، ومن أسخط والديْه ، فقد أسخط الله" رواه البخاري.
وقد جُعلت الجنة لمن يلزم بر الوالديْن: إذ جاء رجل إلى النبي صل الله عليه وسلم يريد الجهاد، فأمره النبي صل الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد ، فأمره النبي صل الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، وحين عاد الرجل للمرة الثالثة ، قال له رسول الله صل الله عليه وسلم: " ويحك ! إلزم رجلَها فثمّ الجنّة" رواه ابن ماجه.
و جُعلت منزلة بر الموالديْن بمنزلة المجاهد في سبيل الله: وفي ذلك جاء رجل إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " هل بقي من والديْك أحد؟ " قال الرجل: أمي، قال رسول الله: " فاسأل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمرٌ ومجاهدٌ " رواه الطبراني.
وجاء رجل إلى النبي صل الله عليه وسلم ليستأذنه في الجهاد؟ ، فقال النبي صل الله عليه وسلم: " أحيٌّ والداك؟" قال الرجل : نعم، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " ففيهما جاهد؟" رواه مسلم.
وأقبل رجل على رسول الله صل الله عليه وسلم فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد، فإني أبتغي الأجر من الله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " فهل من والديْك أحد حيّ؟ " قال كلاهما، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " فتبتغي الأجر من الله؟"  فقال : نعم، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " فارجع إلى  والديْك ، فأحسن صحبتهما" رواه مسلم.
وتكون معصية الوالديْن في حالة دعوتهما لمعصية الله عز وجل: وفي ذلك كان يُعدّ سعد بن أبي وقاص باراً بأمه، ولما أسلم قالت له أمه: يا سعد ، ما الذي أراك عليه؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتُعيّرُ بي، فيقال : قاتل أمه، قال سعد: يا أمي لا تفعلي ذلك ، لأني لن أدع ديني لأي شيء.
ومكثت أم سعد يوماً وليلة لا تأكل ولا تشرب حتى اشتد بها الجوع، فقال سعدٌ لها: أتعلمين،  والله لو كان لك مئة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت إصراره على التمسك بالإسلام ... أكلت، وقال تعالى في ذلك  { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } الآية رقم 15 من سورة لقمان، وفي ذلك قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: جاءت إليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله وقلت: إن أمي قدمت إليّ وهي راغبة ، بمعنى طامعة فيما عندي من بر، أفصلُ أمي؟ قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " نعم صلي أمك" متفق عليه.
وقد حذر الله تعالى من عقوق الوالديْن ، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما، وفعل ما لا يرضيهما أو إيذائهما ولو بكلمة " أف" أو بنظرة، وفي ذلك قال تعالى  { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }  الآية رقم 23 من سورة الإسراء، كذلك حذر من إدخال الحزن عليهما لأيّ سبب، لأن إدخال الحزن على الوالديْن هو عقوق لهما ، وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه في ذلك: من أحزن والديْه فقد عقهما.
بناءً على ذلك فقد عدَّ النبي صل الله عليه وسلم عقوق الوالديْن من كبائر الذنوب ، بل من أكبر الكبائر، وجمع بينه وبين الشرك بالله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله، وعقوق الوالديْن... " متفق عليه.
وقال صل الله عليه وسلم : " كل الذنوب يُؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلاّ عقوق الوالديْن، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة الدنيا قبل الممات" رواه البخاري

والله أعلم بمراده

Sunday, October 14, 2018

صور الإحسان ..... د. سمية عيد


صور الإحسان ... د. سُميّة الزعبوط

الإحسان مع الله: قال رسول الله صل الله عليه وسلم" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" متفق عليه.
الإحسان إلى الوالديْن: قال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}  الآية رقم 23 من سورة الإسراء
الإحسان إلى الأقارب: قال تعالى  { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ... }  الآية رقم 1 من سورة النساء.
قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " من سرّهُ أن يُوسع له في رزقه بمعنى ( يوسّع له فيه) وأن يُنسأُ له أثره (بمعنى يبارك له في عمره) فليصل رحمه " متفق عليه.
وقال أيضاً " من كان يُؤمن بالله واليوم الآخر، فليصل رحمه" رواه البخاري.
وقال رسول الله صل الله عليه وسلم " الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة ، وصلة" رواه الترمذي.
الإحسان إلى الجار: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثهُ " متفق عليه. وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " من كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذِ جاره" متفق عليه.
ومن هنا جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: إن لي جاراً يُؤذيني ويشتمني ويُضيق عليّ، فقال ابن مسعود: إذهب فإن عصى الله فيك ، فأطلع الله فيه
وقال رسول الله صل الله عليه وسلم في حق الجار : " إذا استعان بك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عُدْتَ عليه بمعنى ( ساعدته) ، وإذا مرض عُدْتَه بمعنى (زرته)، وإذا أصابه خير هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتلر قدرك (رائحة الطعام) إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهد له منها، فإن لم تفعل، فأدخلها سراً، ويخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده " رواه الطبراني.
الإحسان إلى الفقراء: قال تعالى : { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } الآية رقم 263 من سورة البقرة ، على الغني الذي يبخل بماله على الفقراء ولا ينسى أن الفقير سوف يتعلق برقبته في يوم القيامة وهو يقول: رب سل هذا وهو يُشير للغني ، لم منعني معروفه وسدّ بابه دوني، وحتى يكون العمل والصدقة خالصة لله ، على الإنسان الغني أن يُنزه عن النفاق والمراءاة وأن لا يمن بإحسانه على أصحاب الحاجات من الضعفاء والفقراء.
الإحسان إلى اليتيمى والمساكين:  قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً" متفق عليه.
وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله" متفق عليه.
الإحسان إلى النفس: يحسن الإنسان إلى نفسه بإبعادها عن الحرام، ولا يفعل مالا يُرضي الله، وهو بذلك يعمل على تطهير نفسه وتزكيتها وإراحتها من الحيرة والضلال والشقاء والعذاب في الدنيا، قال تعالى :  { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ... }  الآية 7 من سورة الإسراء. ويُحسن الإنسان إلى نفسه بالآتي:
الإحسان في القول: قال تعالى:  { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } الآية رقم 24 من سورة الحج، وقال تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ... } الآية رقم 83 من سورة البقرة.
الإحسان في التحية: أن يلتزم المسلم بتحية الإسلام قال تعالى { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا }   الآية رقم 86 من سورة النساء
الإحسان في العمل: يعمل المسلم ويحسن عملة ويتقنه قال رسول الله صل الله عليه وسلم" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" رواه البهيقي.
الإحسان في الزينة والملبس: قال تعالى  { يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }  الآية رقم 31 من سورة الأعراف وقد بين الله تعالى في كتابه الكريم جزاء الإحسان في قوله تعالى { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } الآية رقم 60 من سورة الرحمن. وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا }  الآية رقم 30 من سورة الكهف. وقال تعالى: { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }  الآية رقم 195 من سورة البقرة .