كلمات في القمة حول ماهية العبادة .... د. سُمية عيد الزعبوط

كلمات في القمة حول ماهية العبادة

د. سُمية عيد الزعبوط

تطرق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى  مفهوم العبادة من خلال استقرائه لمفاهيم كثيرة؛ إذ أشار إلى العبادة بأنها: اسم جامع لكل ما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، وبذلك فهي تشمل الصلاة، والزكاة ،والصيام، والحج، وصدق الحديث ،وأداء الأمانة، وبر الوالديْن، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، إلى ما شابه ذلك، وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله، والإنابة إلى الله، وإخلاص الدين لله، والصبر على حكم الله وقدره، والشكر لنعم الله، والرضا بقضاء الله، والتوكل على الله، ورجاء رحمة الله، والخوف من عذاب الله، وما شابه ذلك .

استناداً على ما تقدم، فإنه لا يتحقق معنى العبادة التي خلقنا الله لأجلها إلاّ بتوافر ركنيْن أساسييْن هما:  1) غاية المحبة  . 2) غاية الذل والخضوع.

وفي ذلك قال ابن القيم :

وعبادةُ الرحمن غاية حبه .... مع ذلِّ عابده هما قطبان

وعليْهما فلكُ العبادة دائرٌ..... ما دار حتى قامت القطبان

بناءً على ذلك، فقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن مقولة – تيّم الله – تعني عبد الله ، فالمتيّم هو المعبد لمحبوبه، فإذا خضع إنسان لإنسان مع البغض له ، لا يكون عابداً، ولو أحب شيْئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له، كالذي يُحب ولده وصديقه، من هنا فإن ذلك لا يكفي في عبادة الله، بل يجب أن يكون الله أحب إلى المرء من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء، بل لا تكون المحبة والذل التام إلاّ لله، فكل ما أُحِبَّ لغير الله فمحبته فاسدة ، وما عظُمَ بغير أمر الله كان تعظيمه باطلاً.

وتأكيداً على ما تقدم فإن ابن القيم يُشير إلى أن المحبة مع الخضوع في العبودية التي خُلِقَ الخلْق لأجلها، فإنها غاية الحب بغاية الذل، وهذا لا يصلح إلاّ لله سبحانه وتعالى، فكل من قال: " لا إله إلاّ الله"  فذلك يعني أنه لا يستحق العبادة إلاّ الله، وكل ما سوى الله لا يحق له أن يُعبد، وكل ما سوى الله حق له أن يعبد الله، وهذه حقيقة علينا أن نستحضرها ونستذكرها وأن لا ننساها ولا تغيبُ عن فكرنا طرفة عين.

                            اللهم إنك عفوٌ تحبُ العفوَ فاعفُ عنا