Tuesday, May 22, 2018

إطلالة على شهر رمضان … (6) هدي رسول الله صلّ الله عليه وسلم ... إعداد د. سُمية عيد الزعبوط

إطلالة على شهر رمضان … (6) هدي رسول الله صلّ الله عليه وسلم
إعداد د. سُمية عيد الزعبوط

من هدي رسول الله صل الله وسلم في شهر رمضان الإكثار والتنوع في العبادات، إذ كان جبريل عليه السلام يُدارسه القرآن في رمضان ، وكان أجود ما يكون في رمضان، فهو يكثر من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر، والاعتكاف ، و يخص رمضان من العبادة، ما لا يخص غيره به من الشهور،حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصال ، فيقولون له: إنك تواصل، فيقول: " لست كهيأتكم، إني أبيت" وفي رواية أخرى: " إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني" .
وقد اختلف العلماء في هذا الطعام والشراب المذكوريْن في الحديث، وهم على قوليْن: أحدهما: أنه طعام وشراب حسي للفم، واستندوا على ذلك إلى حقيقة اللفظ ولا شيء يوجب العدول عن ذلك، أما القول الثاني فيشير إلى أن المراد به ما يُغذيه الله به من معارفه ، وما يفيض على قلبه من لذة المناجاة وقرة العين بقربه وتنعمه بحبه والشوق إليه، ففي ذلك غذاء للقلوب ونعيم للأرواح وقرة عين وبهجة للنفوس،  وفي ذلك يكون أعظم غذاء، إذ يفوق غذاء الأجسام.
وقيل: لما نهاهم رسول الله صلّ الله عليه وسلم عن الوصال، فأبوا أن ينتهوا، واصل بهم سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال، فقال لو تأخر الهلال لزدتكم، وقد فعل ذلك منكلاً بهم ومعجزاً لهم ، فلو كان يأكل ويشرب لما كان ذلك تنكيلاً ولا تعجيزاً ، بل وصالاً، لهذا فإن نهي الرسول  صلّ الله عليه وسلم عن الوصال رحمة للأمة، وفي حديث قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : " لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" .
قيل ما حكم الوصال؟
نظراً لاختلاف العلماء في هذه المسألة ، يُمكن طرح ثلاثة أراء حول الحكم على النحو الآتي:
الرأي الأول كان الحكم في الوصال جائزاً، إن قدر عليه، فعن عبد الله بن الزبير : أن النبي واصل بالصحابة مع نهيه لهم عن الوصال، فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوماً ثم يوماً ، فهذا هو وصاله بهم بعد نهيه عن الوصال، ولو كان النهي للتحريم لما أبوا أن ينتهوا.
الرأي الثاني: كان الحكم في الوصال أنه لا يجوز ، ومن هؤلاء : ( مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري رحمهم الله)، فقد نص الشافعي على كراهته، واختلف الصحابة في كراهته هل للتحريم أم للتنزيه؟ فالمحرمون احتجوا بنهي رسول الله صل الله عليه وسلم، والنهي يقتضي التحريم.
الرأي الثالث: كان الحكم في الوصال أنه يجوز من سحر إلى سحر، وقد روي عن سعيد الخدري عن النبي صلّ الله عليه وسلم أنه قال: " لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" وفي هذا الرأي أعدل الوصال وأيسره على الصائم.
والله أعلم بمراده


أنظر زاد المعاد في هدي خير العباد، الجزء الأول ، للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المجلد 1-2 ، بيروت : دار الكتب العلمية، ص ص 212- 214.

No comments:

Post a Comment