Friday, June 1, 2018

إطلالة على شهر رمضان … (16) حديث الإفك (3)... إعداد د. سُمية عيد الزعبوط


إطلالة على شهر رمضان … (16) 
حديث الإفك (3)
إعداد د. سُمية عيد الزعبوط

قالت عائشة رضي الله عنها: فبينما نحن على ذلك، إذ دخل رسول الله صل الله عليه وسلم فسلم ثم جلس وتشهد ثم قال: " أما بعد يا عائشة فإني قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذ اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه" .
فلما قضى رسول الله صل الله عليه وسلم مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله! فقال: والله لا أدري ماذا أقول لريسول الله صل الله عليه وسلم.
فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله، فقالت كذلك: والله لا أدري ماذا أقول لرسول الله صل الله عليه وسلم.
قلت- وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن- : إني والله لقد عرفت أنكم سمعتم بهذا، حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به: فإن قلت لكم: إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقونني، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقونني، وإني والله لا أجد لي ولكم مثلاً إلاّ كما قال أبو يوسف: {..... فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} الآية (18) من سورة يوسف، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي.
فو الله ما دام رسول الله صلّ الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان في اليوم الشاتي.
فلما سرى عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم وهو يضحك كان أول كلمة تكلم بها أن قال: " أبشري يا عائشة! أما الله فقد برأك".
قالت لي أمي: قومي إليه.
قلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلاّ الله ، هو الذي أنزل برائتي.
وكان أبو بكر ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره، فأقسم أن لا ينفق عليه شيئاً أبداً ، فأنزل الله: { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ..... } الآية (22) من سورة النور.
فقال أبو بكر: : والله إني لأحب أن يغفر الله لي، ورجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه.
هذه هي القصة التي عرفت بقصة الإفك كما روتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وفيها مسيرة سيد الخلق سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم في معاملته لزوجاته التي تُشير إلى طيب المعاملة التي يشوبها الكرم الخالص، حين سمع نبينا الكريم ذلك الحديث المريب فلم يقبله بغير بينة ولم يرفضه بغير بينة ، وكان عليه أن يعود زوجته المريضة أو يجفوها إلى حين ، إلاّ أنه عادها بكل رفق وإنصاف وسماحة.
هذا هو رسولنا الكريم محمد صلّ الله عليه وسلم، وهذه هي الأخلاق النبيلة الحميدة التي تنبع من كتاب الله عزّ وجل.
والله أعلم بمراده

أنظر عباس محمود العقاد (2016)، " العبقريات"، الجزء الأول، القاهرة: الجمل للنشر والتوزيع، ص ص 102- 103.

No comments:

Post a Comment