Thursday, January 4, 2018

قول في آية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ....... } د. سُمية عيد الزعبوط


قول في آية{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ .......  }
د. سُمية عيد الزعبوط

قال المفسرون: بعث رسول الله صلّ الله عليه وسلم عبد الله بن جحش، وهو ابن عمة رسول الله صلّ الله عليه وسلم، في جمادى الآخرة، قبل قتال بدر بشهرين، وبعث معه ثمانية رجال من المهاجرين وهم: ( سعد بن أبي وقاص الزهري، وعكاشة بن محصن الأسدي، وعتبة بن غزوان السلمي، وأبا حذيفة بن عتبة بن أبي ربيعة، وسهيل بن بيضاء، وعامر بن ربيعة ، و واقد بن عبد الله، وخالد بن بكير)، وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتاباً، وقال: " سر باسم  الله ، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يوميْن ، فإذا نزلت منزليْن فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك، ثم امض لما أمرتك ، ولا تستكرهن أحداً من أصحابك على المسير معك.
فصار عبد الله يوميْن، ثم نزل ففتح الكتاب، فإذا فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد : فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك، حتى تنزل بطن نخلة، فترصد بها عير قريش، لعلك أن تأتينا منه بخبر" ، فلما نظر عبد الله الكتاب  قال: سمعاً وطاعة، وقال لأصحابه ذلك، وقال إنه قد نهاني أن أستكره واحداً منكم ، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع، وقد أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيراً كانا يتعقبانه ، فاستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما، فأذن لهما، فتخلفا في طلبه، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصل بطن مكة والطائف، فبينما هم كذلك إذ مرت بهم عير قريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارةً من تجارة الطائف، وفيهم ( عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، ونوفل بن عبد الله المخزوميان) فلما رأوا أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وسلم هابوهم، فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم، فاحلقوا رأس رجل منكم فاليعترض لهم، فإذا رأوه محلوقاً أمنوا وقالوا قوم عمار، فحلقوا رأس عكاشة، ثم أشرف عليهم، فقالوا: قوم عمار، لا بأس عليكم، فأمنوهم.
وكان ذلك في آخر يوم من جمادي الآخرة، وكانوا يرون أنه من جمادي أو منهم من يرى هو من رجب، فتشاور القوم فيهم ، وقالوا : لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحُرُم ، فليمتنعن منكم، فأجمعوا أمركم في موافقة القوم، فرمى واقد بن عبد الله السهمي ، عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وكان أول قتيل من المشركين، واستأسر الحكم وعثمان فكانا أول أسيريْن في الإسلام، وأفلت نوفل، وأعجزهم ، واستاق المؤمنون العير والأسيريْن حتى قدموا على رسول الله صلّ الله عليه وسلم بالمدينة المنورة.
وقالت قريش: قد استحلّ محمد الشهر الحرام، شهراً يأمن فيه الخائف ويبذعرُّ الناس في معايشهم، فسفك فيه الدماء وأخذ فيه الحرائب، وعيّر بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين، فقالوا يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام فقاتلتم فيه، وتفاءلت اليهود بذلك فقالوا: قد وقدت الحرب نارها، سعرت الحرب، والحضرمي حضر الحرب، وبلغ ذلك رسول الله صلّ الله عليه وسلم، فقال لابن جحش وأصحابه: " ما  أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، وأوقف العير والأسيريْن ، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً، فعظم ذلك على أصحاب السرية، وظنوا أن قد هلكوا وسقط في أيديهم، وقالوا يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي، ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب، فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادي، وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى قوله : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
صدق الله العظيم
فأخذ رسول الله صلّ الله عليه وسلم العير ، فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، فكانت أول غنيمة في الإسلام، وبعث أهل مكة في فداء أسيريْهم، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " لم نفدهم حتى يقدم سعد وعتبة، وإن لم يقدما قتلناهما" ، فلما قدما فاداهما ، وأما الحكم بن كيسان فأسلم، وأقام مع رسول الله صل الله عليه وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافراً، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين، فوقع في الخندق مع فرسه، فتحطما جميعاً، فقتله الله تعالى، وطلب المشركون جيفته بالثمن، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: خذوه فإنه خبيث الجيفة، خبيث الديّة.
وهذا سبب نزول قوله تعالى، والله أعلم بمراده : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }، الآية 217 من سورة البقرة
حفظكم الله


No comments:

Post a Comment