كلمات في القمة حول مراد الحق من ألفاظ القرآن الكريم
(18)
د. سُمية عيد الزعبوط
إذا نظرنا إلى ألفاظ
القرآن الكريم ، نجد أن الله سبحانه وتعالى تارة يأتي بضمير الجمع (نا) ، والنون هنا تُسمى نون الكبرياء ونون العظمة، وتارة
أخرى يأتي بضمير المفرد ( أنا)،
وحين يأتي الله تعالى
بنون الكبرياء والعظمة ، فذلك لأن كل فعل من الأفعال يحتاج لصفات متعددة حتى يتم
ذلك الفعل، فإذا أراد المرء أن يفعل شيئاً ما، فإن ذلك يقتضي منه مقدرة ، ويقتضي
منه حكمة، ويقتضي منه معرفة ، ويقتضي منه دافعية ، بمعنى يتطلب منه صفات كثرة
يقتضيها الفعل ،الأمر الذي يدعو إلى الإتيان بضمير الجمع ونون العظمة والكبرياء.
وحين يتكلم الحق سبحانه
وتعالى عن شهادة التوحيد والتفرد فإنه يقول: " إنني أنا الله" ، ما
يُشير إلى أن الله يريد توحيداً فيأتي بضمير الإفراد (أنا)، وحين يتكلم الحق
سبحانه وتعالى عن الحدث والفعل ، فيأتي هنا بضمير الكبرياء والعظمة ، حيث قال
تعالى { وَالسَّمَاءَ
بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } الآية رقم
37 من سورة الذاريات.
وعندما أراد الله
سبحانه وتعالى أن يمتدح إبراهيم عليه السلام قال: " إن إبراهيم كان أمة"
وأمة هنا تعني جامعاً لصفات الخير التي لا تجتمع في فرد واحد ولكنها تجتمع في أمة،
فهذا متميز بصفة الصدق ، وذاك بالشجاعة، وآخر متميز بالحلم، من هنا فقد أراد الحق
سبحانه وتعالى أن يقول إن إبراهيم كان جامعاً لصفات الخير .
وقد أطلق الله عز وجل على
الزوجة مسمى السكن ، حين قال تعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ
خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ } الآية رقم 21 من سورة الروم ، من باب أن
السكن يحتاج للهدوء والاطمئنان، ولأن الهدوء والرحمة والبركة والاطمئنان يتوافر كل
ذلك في الزوجة الصالحة ، الأمر الذي يقتضي إطلاق مسمى السكن على الزوجة الصالحة.
ويقول تعالى أيضاً { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ
سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } الآية رقم
103 من سورة التوبة، وهنا يتبين أن في الصلاة راحة واطمئنان ورحمة ، وفي قوله
تعالى {...اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ... } الآية رقم 35 من
سورة البقرة، وهنا من الممكن القول اسكن وزوجك ؛ لأن الفاعل في فعل الأمر مستتر
دائماً، إلاّ أن الله سبحانه وتعالى أراد القول: اسكن أنت وزوجك ... إياك أن تظن
أنك أنت هو فاعل الفعل اسكن، فجيء بالضمير ( أنت) ليفصل بين اسكن وبين زوجك كي لا
يُعطف الاسم على الفعل ، كذلك جاءت كلمة زوجك بدون تاء التأنيث، ولعل السبب في ذلك
أن أمر التكليف حين يصدر من الله عز وعلا يكون للذكر والأنثى على السواء.
والله
أعلم بمراده
No comments:
Post a Comment