القَنَاعَة
القناعة
هي الرضا بما قسم الله تعالى ولو كان قليلًا ، وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي
الآخرين ، وهي علامة على صدق الإيمان . يقول رسول الله r : " قد أفلح من أسلم ، ورُزِق كفافًا ،
وقَـــنَّـعَهُ الله بما آتاه " رواه مسلم.
ومن
الأمثلة على القناعة ما يلي :
1) كان رسول الله صل الله عليه وسلم يرضى بما عنده ، ولا يسأل أحدا
شيئًا ، ولا يتطلع إلى ما عند غيره ، فكان صل الله عليه وسلم يعمل بالتجارة في مال السيدة خديجة – رضي الله عنها
– فيربح كثيرًا من غير أن يطمع في هذا المال . وكانت تُعرض عليه الأموال التي
يغنمها المسلمون في الغزوات فلا يأخذ منها شيئًا
بل كان يوزعها على الصحابة . وكان r ينام على الحصير ، فرآه الصحابة , وقد أثر الحصير في
جنبه , فأرادوا أن يعدوا له فراشًا لينًا يجلس عليه ؛ فقال لهم : " ما لي وما
للدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة , ثم راح وتركها " رواه
ابن ماجة والترمذي
2) ذهب الصحابي الجليل
حكيم بن حزام إلى النبي صل الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه من الأموال فأعطاه ، ثم سأله مرة ثانية فأعطاه ، ثم سأله مرة ثالثة فأعطاه النبي ثم قال له معلماً : " يا
حكيم إن هذا المال خَضرٌ حلو ( أي أن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة
الحلوة اللذيذة )، فمن أخذه بسخاوة نفس ( بغير سؤال ولا طمع ) بورك له فيه ، ومن
أخذه بإشراف نفس لم يُبارَكْ له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا
خير من اليد السفلى " متفق عليه
فعاهد
حكيم النبي r ألا يأخذ شيئًا من أحد أبداً حتى
يفارق الدنيا ، فكان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يطلبه ليعطيه نصيبه من
المال فيرفض أن يقبل منه شيئًا ، وعندما
تولى عمر – رضي الله عنه – الخلافة دعاه ليعطيه فرفض حكيم ، فقال عمر : يا معشر
المسلمين أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء
( الغنيمة ) فيأبى أن يقبله .
وهكذا
ظل حكيم قانعًا، لا ينظر إلى المال بعد نصيحة رسول الله r، التي تعلم منها ألا يسأل أحدًا شيئاً ، حتى أنه كان
يتنازل عن حقه، ويعيش من عمله وجهده.
3) كان سلمان الفارسي – رضي الله
عنه – واليًا على إحدى المدن ، وكان راتبه خمسة آلاف درهم يتصدق بها جميعاً ، وكان
يشتري خوصًا بدرهم فيصنع بها آنية فيبيعها بثلاثة دراهم ؛ فيتصدق بدرهم ، ويشتري
طعامًا لأهله بدرهم ، ودرهم يبقيه ليشتري به خوصًا جديدًا .
4) أُهديت السيدة عائشة
– رضي الله عنها – سلال من عنب، فأخذت
تتصدق بها على الفقراء والمساكين ، وكانت جاريتها قد أحذت سلة من هذه السلال
وأخفتها عنها ، وفي المساء أحضرتها، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما هذا؟
أجابت الجارية: ادخرته لنأكله، فقالت عائشة : أما يكفي عنقودٌ أو عنقودان؟
5) يُحكى أن ثلاثة رجال
ساروا في طريق فعثروا على كنز واتفقوا على
تقسيمه بينهم بالتساوي ، وقبل أن يقوموا بذلك، أحسوا بالجوع الشديد فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعامًا ,
وتواصوا بالكتمان كي لا يطمع فيه غيرهم ، وفي أثناء ذهاب الرجل لإحضار الطعام
حدثته نفسه بالتخلص من صاحبيه ،وينفرد هو بالكنز وحده ، فاشترى سمًا ووضعه في
الطعام ، وفي الوقت نفسه اتفق صاحباه على
قتله عند عودته ؛ ليقتسما الكنز فيما بينهما فقط ،ولما عاد الرجل قتله صاحباه،
وجلسا يأكلان الطعام ، فماتا تأثراً بالطعام المسموم ، وهكذا تكون نهاية الطامعين
وعاقبة الطمع.
من هنا تحقق القناعة
خيرًا كثيرًا للإنسان في الدنيا والآخرة ومن فضائلها ما يلي:
القناعة سبب البركة : فهي كنز لا ينفد ، وقد أخبرنا سيدنا محمد صل الله عليه وسلم أنها افضل الغنى فقال : "
ليس الغنى عن كثرة العَرَض ، ولكن الغنى غنى النفس " متفق عليه
وقال صل الله عليه وسلم: " من أصبح منكم آمنا في
سربه ، مُعافىً في جسده ،عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" رواه الترمذي
وابن ماجه، فالمسلم عندما يشعر بالقناعة والرضا بما قسمه الله تعالى له يكون غنيًا
عن الناس ، عزيزًا بينهم ،لا يذل لأحد منهم .
أما
طمع المرء ورغبته في الزيادة يجعله ذليلاً
إلى الناس ،فاقدًا لعزته قال صل الله عليه وسلم: "وارْضَ بما قسم الله لك
تكن أغنى الناس " رواه الترمذي وأحمد.
القناعة طريق إلى الجنة
: بين الرسول صل الله عليه وسلم أن المسلم القانع الذي لا يسأل
الناس ثوابه الجنة فقال صل الله عليه وسلم: "من يكفل لي ألا يسأل
الناس شيئا وأتكفل له بالجنة ؟ " فقال ثوبان : أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا . رواه أبو داوود والترمذي وأحمد.
القناعة عزة النفس : القناعة تجعل صاحبها حُرًّا ؛ فلا يتسلط عليه الآخرون ،أما الطمع فيجعل
صاحبه عبدًا للآخرين ،وقد قال الإمام علي كرم
الله وجهه: الطع رِق مؤبد ( عبودية دائمة ) .
وقد قال أحد الحكماء :
من أراد أن يعيش حُرًا في أيام حياته ؛
فلا يسكن قلبه الطمع وقيل : عز من قنع ,
وذل من طمع . وقيل : العبيد ثلاثة : عبد رِق، وعبد شهوة ،
وعبد طمع .
القناعة سبيل لراحة
النفس : المسلم القانع يعيش في راحة وأمن واطمئنان دائم ، أما
الطماع فإنه يعيش مهمومًا ، ولا يستقر على حال ، وفي الحديث القدسي : " يا
ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً , وأسُد فقرك ، وإن لم تفعل ، ملأتُ صدرك
شُغْلا ولم أسُدَّ فقرك " رواه ابن ماجة.
وقال أحد الحكماء : سرور الدنيا أن تقنع بما رُزِقْتَ ، وغمها أن تغتم لما
لم تُرزق .
وصدق
القائل :
هي القناعة لا ترضى بها بدلًا فيها النعيم وفيها راحـــة
البـــــدنِ
أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن
والكفنِ
تم استرجاع
المعلومات عن موسوعة الأسرة المسلمة : الأخلاق،
ص ص 51 - 56
No comments:
Post a Comment